فضاء حر

المصيدة الانتقالية

يمنات 

 أن التاريخ سوف يسير في النهاية في الطريق الذي دفعت الشعوب ثمناً باهظاً له، لكن يبدو أن المسيرة تتعثر بدرجات تتفاوت من دولة إلى أخرى فقد تحولت المرحلة الانتقالية في عدة حالات إلى ما يشبه "مصيدة" يبدو الخروج منها بدون آلام إضافية، وفي وقت ملائم في اتجاه الانتقال من الثورة إلى "الدولة" التي تشهد بناء نظم سياسية ديمقراطية "مدنية"، متعذراً إلى حد كبير في ظل تداخل غير منضبط بين مستويات مختلفة من الصراعات بين عناصر النظم القديمة والجديدة، وعناصر الثوار المدنية والدينية، وارتباك أداء السلطات الانتقالية مدنية أو عسكرية في ظل مصاعب سياسية واقتصادية وأمنية تضغط على الجميع وتؤثر في هياكل الدولة.

إن المظاهر المقلقة التي تشهدها الفترات الانتقالية في مراحل ما بعد الثورات بصفة عامة تتمثل بعضها في:

1- استغراق المراحل الانتقالية فترات طويلة بفعل بطء أو ارتباط الخطوات المتخذة أو سيطرة الصراعات على أجنحة الثورات.

2- إن الصراعات السياسية تبدو اعنف وأكثر عمقاً وجذرية مما كان متصوراً فالقضية تجاوزت إقامة نظام ديمقراطي جديد محل نظام استبدادي قديم إلى صراعات على السلطة من ناحية وصراعات على الدولة من ناحية أخرى.

حيث تسعى كافة القوى السياسية إلى إثبات وجودها وحجز حصتها من النظام الجديد ليس فقط من خلال آليات التحول القائمة على المنافسة السياسية وإنما الاستمرار في الحشد وأعمال العنف إن هناك مجموعة من الإشكاليات المعتقدة التي تطرح نفسها في الفترات الانتقالية، ولا يبدو أيضاً أن هناك حالاً بسيطاً لها على الرغم من أن هناك من يقرر أنها ليست بالصعوبة التي يمكن تخيلها كالمشكلة التي تخلقها عملية صياغة الدساتير بين القوى الدينية والقوى المدنية، والأوضاع المتصورة للجيوش في نظم ما بعد الثورة العربية وشكل الاقتصاد الذي سيتم تبنيه أو إتباعه في مراحل ما بعد الثورات ثم شكل التعليم وملامح الثقافة، ونوعية التحالفات الخارجية للدول في المرحلة القادمة فهناك مشكلات حقيقية تتعلق بمثل تلك الأمور تدخل الثورات في أنفاق سياسية، ومشكلات من كل اتجاه.

وهكذا فإن المشكلة واضحة فمراحل ما بعد الثورات تأتي بمطالب شعبية ملحة تستدعي إجراء تغيرات جذرية في توزيع القوة والثروة داخل المجتمع ولكن تحقيق مثل هذا التغير الشامل يواجه بعقبات متعددة فالمؤسسات بطبيعتها مقاومة للتغيير، وتفتح الباب دائماً أمام الدعوات للتمهل والتدرج في تنفيذ التغيرات المطلوبة.

كما أن القوى السياسية والاجتماعية التي كانت أكثر تنظيماً على الأرض غالباً ما يكون لها دور كبير في توجيه مسارات فترات ما بعد الثورات لتحقيق أكبر قدر من المطالب وتلعب طريقة إدارة المرحلة الانتقالية والقوي المتحكمة فيها دوراً قوياً في تحديد نجاح أو فشل الثورات في تحقيق أهدافها، فقد يؤدي غياب الرؤية الواضحة المتفق عليها إلى التخبط والفشل، كما قد تنجح قوة سياسية أو مجتمعية أو تحالف بين عدد منها في تحويل مسار المرحلة الانتقالية إلى ما يخدم مصالحها معيقة بذلك حدوث تغيرات جذرية أو ثورية.

زر الذهاب إلى الأعلى